سمير شوقي: اشراف الوطن

في مغرب 2009 مازال هناك رجال أمن بإمكانهم أن يلفقوا لك أي تهمة ويودعونك السجن بكل بساطة. وفي السبعينيات والثمانينيات كان بإمكان أي رجل أمن أن يبعث من يشاء إلى السجن بحركة بسيطة هي تمزيقه لأحد أزراره. كانت «طَريفة» ذلك ستة أشهر حبسا نافذا.
أما اليوم فلم يعد الشرطي (ليس كل رجال الأمن لحسن حظنا) بحاجة إلى لمس أزراره، فبإمكانه أن يلفق للعبد الضعيف، وهو المواطن الماثل أمامه، ما شاء من التهم، دون أن يكون مجبرا على تقديم الحجة عن ذلك.
وإذا كان ما أسلفت غير صحيح فليتطوع أحد ليشرح لنا ماذا تفعله الطالبة زهرة بودكور منذ سنة بالسجن بمراكش بعد توقيفها في وقفة تضامنية مع طلبة تم اعتقالهم؟. لقد تم اعتقالها بالكوميسارية سيئة الذكر بمراكش وكالوا لها الشتائم، ومزقت ملابسها، ولفقت لها التهم ورميت بالسجن دون محاكمة! فأين قيمة الإنسان المغربي في هذا الزمن؟
نزهة بودكور تعاني بسجن مراكش من سوء المعاملة وغياب التطبيب وعدم تمكينها من الدواء رغم حالتها الصحية المتدهورة..
أما عائلة نزهة وأصدقاؤها فيعانون الأمرين كذلك في محاولاتهم المتكررة لزيارتها، أما إذا احتجوا عن تدهور حالتها الصحية فيكون التهديد مصيرهم، كما قيل مؤخرا لأختها... «سوف أغتصبك وأضعك في زنزانة حيث يتعاقب عليك السجناء».. وبطبيعة الحال فالصيغة الأصلية لهذا التهديد تفتقر إلى كل لياقة في الحديث.
نزهة صاحبة الاثنين والعشرين ربيعا تتذوق إذن من علقم رصاص الألفية الثالثة والعهد الجديد.. ترى أحلامها تُغتال عشرات المرات في اليوم ومستقبلها يضيع وحتى حياتها على كف عفريت لا لشيء سوى لأنها تظاهرت في يوم من الأيام معتقدة بأننا فعلا نعيش عهدا جديدا بينما نحن فقط غيرنا التواريخ وحتى رقم القرن واستبدلنا الأساليب بأخرى، للأسف، أكثر بلادة، بل جرأة وعدم اكتراث بردات الفعل.
هل تغير شيء في المغرب الحقوقي؟ من الصعب أن نقول ألا شيء تغير.
لكن من الأصعب أن نعتبر أننا تقدمنا ولو خطوة واحدة عندما نقف على هكذا نماذج.. مازالت تحيلنا على أساليب الترهيب والتلفيق والتعذيب وحتى الاختطاف. ألم توضح لنا الانتخابات الأخيرة كيف كان الترهيب هو العنوان الأبرز: إما أن تكون معي أو تكسر عظامك. وفي التكسير فليتنافس المتنافسون، فلكل طريقته وكل ابتكر واجتهد فيها حتى صار البعض مرعوبا لرفض «التعليمات».
نعود إلى نزهة بودكور لنذكر المغاربة فقط بأن هناك إخوانا لهم مرميين في السجون دون محاكمات وفي غياب شروط العيش الكريم. فهل هذا حلمنا بهذا المغرب الذي أطلقوا عليه افتراء أجمل بلد في العالم؟
بالطبع لا والحلم صار كابوسا..
الحرية إذن لنزهة بودكور..
الحرية لأقلام صحافية يريد البعض تكسيرها..
الحرية.. حتى للطلقاء الأحرار
فالحرية ليست في الأجساد فقط..
وتحية لكل نشطاء حقوق الإنسان وناكري الذات وأشراف الوطن.
ملحوظة: أشراف الوطن ليسوا هم بالضرورة من يضعون على زجاج سياراتهم علامة كتب عليها «يجب تسهيل مأمورية حامل هذه الشارة والالتزام بالاحترام الواجب له» وكأن باقي المغاربة لا يستحقون أدنى احترام. شارة تحيلنا على حقبة مغرب المولى إسماعيل.